أن ملامح ومعالم شخصية أمة ما تتحدد ضمن مقومات أساسية تضمن الحفاظ على هوية هذه الأمة مهما بلغ حجم التهديد الذي تتعرض له هذه المقومات حسب عرسان هي: اللغة والدين والتراث المكتوب، والعادات والتقاليد والأعراف، فوجود هذه المقومات هو الذي يشكل "روح الحياة ووجهها الاجتماعي وجريان نسغها في الأجيال جيلاً بعد جيل". ينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب: باب العادات والتقاليد الشعبية وفيه: ـ تقاليد التحية ـ تقاليد المجاملة ـ تقاليد حفظ الجوار والوفاء بالنمار ـ عادات وتقاليد المشاركة بالأحزان.
ولكل تقليد مجموعة من العادات التي يجب أن يتبعها الصغير والكبير في المجتمع حفاظاً على النظام الاجتماعي الذي قد يؤدي أي خلل فيه إلى انهياره، فمثلاً من عادات وتقاليد المشاركة في الأحزان بعض التفاصيل التي كان يعتبر الخروج عنها إهانة للميت ولأهله وعائلته، منها مثلاً:
ـ وقف مظاهر الفرح في القرية لمدة أربعين يوماً ـ الامتناع عن لبس الملابس الجديدة والمرأة لا تتزين والرجل لا يتطيب.
ـ لا تصنع الحلويات في الأعياد ولا تقبل المعايدة.
ـ لا تغسل الملابس لمدة أربعين يوماً ولا يدق جرس الكنيسة ولا تصنع الأكلات المهمة.
ومما كان يقال في وداع الميت التالي:
يا أم فلان لوين مع السلامة
وأنا رايحة دربي على الجبانة
مرت على ابنها وقالت له
ها الكاس مارق ع جميع الناس
واحلف عليها يا ابنها وردها
واحلف عليها ما تزور جبانه
واحلف عليها ما تزور إلا القدس
وكل دير زارتو الرهباني
الباب الثاني باب عادات وتقاليد الطب الشعبي والمأكولات والألعاب الشعبية وفيه طب الأعشاب ـ المعتقد في الطب الشعبي والمأكولات الشعبية الفلسطينية ـ الألعاب في القرية الفلسطينية.
لقد كان للطب الشعبي أهمية كبيرة في القرى الفلسطينية فالتداوي ومعالجة الأمراض كان يتم عن طريق أشخاص اكتسبوا الخبرة من آبائهم وأجدادهم وكان لكل مرض أخصائي ممن يمارسون هذه المهنة ويصفون للمريض غالباً أنواعاً من الأعشاب التي درست فائدتها الطبية على مدار السنوات الماضية كالميرمية والجعدة وورق الجوز والشينيلية والطيون والحنظل... الخ.
وكان سائداً الاعتقاد أن مرض الإنسان هو لعنة من الإله والأسباب متعددة كالإصابة بالعين وللوقاية كانوا يضعون (الخرزة الزرقاء) ويقرؤون بعض الحجب والآيات القرآنية وحين يستفحل الأمر كانوا يلجؤون إلى صب الرصاص أو طاسة الرعبة وغيرها من العادات التي كان يستغلها البعض ليجنوا ثروات طائلة عن طريق الشعوذة والسحر.
وللمطبخ الفلسطيني صفحات عديدة في هذه الكتاب الممتع، فمفردات الطعام الفلسطيني كانت بسيطة تعتمد على الفواكه والقمح والزيت والحبوب والألبان والنباتات الطبيعية التي كثر وجودها في الأجزاء الشمالية والغربية من فلسطين بسبب كثرة الأمطار التي ساعدت على نمو الغطاء النباتي، الذي ساعد على وجود طيور وحيوانات برية كانت مصدراً آخر لغذاء الإنسان، ويضاف إلى ذلك الأسماء والصيد البحري من السواحل الفلسطينية، وطبعاً كان الفرق واضحاً بين طعام المدن وطعام الريف الفلسطيني من حيث نوعية الطعام، واحتوائه على أكبر كمية من القيم الغذائية.
وكان لكل مناسبة طعامها المحدد، ففي الولادة تقدم الحلويات والدجاج والزغاليل، وفي التزويقة تقدم المناسف والحلويات، في الختان المناسف وتذبح الذبائح وفي تشييد منزل جديد تقدم المناسف، وفي الدعوات الكبيرة والأعراس والمآتم تقدم الذبائح والمناسف والهفيت.
ومن الأمثال الخاصة بالطعام:
(مفتاح البطن لقمة ومفتاح الشر كلمة)
(أكل الرجال على قد فعالها)
(الشبعان بوكل أربعين لقمة)
في فصل (الألعاب في القرية الفلسطينية) يشرح الباحثان كيف نشأت الألعاب أو كيف وصلت إلى القرى الفلسطينية ومن أين. كان الأولاد يلعبون في ساحة القرية تحت ظل سنديانة أو توتة أو نزنزلختة كبيرة، كان من الطبيعي أن توجد في ساحة كل قرية، وكانت الألعاب تتميز بالخشونة والشدة والعنف والبساطة والعفوية.
وتقسم الألعاب إلى عدة أقسام: ألعاب للذكور كلعبة الدحول ـ وألعاب للبنات كلعبة ستنا الغولة وألعاب مشتركة كلعبة طرقت وألعاب للكبار كلعبة المنقلة.
الفصل الثالث في الكتاب يحكي عن الاحتفالات الدينية والإسلامية في فلسطين كالاحتفال بشهر رمضان المبارك وعيد الفطر والاحتفال بمغادرة الحجيج إلى الديار المقدسة والاحتفال بعيد الأضحى المبارك والاحتفال بعودة الحجاج إلى بيت الله الحرام والاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف والاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية والاحتفال بختم القرآن وتزويقة شيخ الكتاب والاحتفال بالختان والطهور.
وكانت تردد الأهازيج الخاصة بكل احتفال من الاحتفالات السابقة فمثلاً في الاحتفال بمغادرة الحجيج إلى الديار المقدسة كانوا يرددون:
يا رايحين تزوروا مكة وبلاد الحجاز
يا زايرين النبي خذونا في محاملكم
ما في حديد ولا فولاذ يثقلكم
وإن كان زادي وزوادي ما يثقلكم
وللمعتقد الشعبي دور مهم في صنع المقولة الفلسطينية، وكانت المعتقدات كثيرة، منها: الدالة على الليل وعلى النهار وعلى الخير والشر والأنس والجن والقسمة والنصيب والتواكل، وكانت الكنوز (حسب المعتقد الشعبي) ترتبط بقوى الخصب، كالأشجار والخرائب، باعتبار الخرائب صور لحضارات قديمة، والشجر رمز الخصب والحياة، وسيطرت فكرة المعتقد على التفاصيل الاجتماعية اليومية الفلسطينية كالزواج والإنجاب وعلاقة الرجل والمرأة بالزواج والطفل منذ ولادته حتى يخطو أولى خطواته، والتفاؤل والتشاؤم والكثير الكثير من التفاصيل اليومية حيث لكل شيء سبب ولكل حركة محاذير.
الفصل الرابع والأخير يحكي عن عادات وتقاليد المخاتير والمضافات والصلح والقهوة العربية.
فالمختار هو زعيم البلد ووجيهها، وهو الذي يستقبل ضيوف القرية ويقيم العزائم والولائم، ويحل مشاكل أهل القرية ويشرف على الأراضي وعلى جميع الخلافات الزراعية، وهو صلة الوصل بين الحكومة والمواطن، والمسؤول عن النفوس والميلاد وتقدير الأعمار، ومسؤول عن كل ما هو موجود في القرية.
وكان المختار هو زعيم القضاء العشائري الذي ساد في فلسطين بسبب الفراغ الناجم عن غياب سلطة قوية وعادلة لضبط الأمور، وكثيراً ما كان القضاء العشائري نزيهاً وصادقاً ومتزناً ومتعمقاً بالعادات والتقاليد، ولم يكن يسجل أي تدخل للحكومة في هذا القضاء.
وكان المختار هو المشرف على اختيار الزعامات الخاصة بالصلح أثناء خلافات القرية.
الصفحات الأخيرة في الكتاب تحكي عن القهوة العربية وطرق تصنيعها وتقديمها:
أنا المحبوبة السمراء وأجلى بالفناجين
وعود المسك لي طيب وذكري ذاع بالصين
(العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية) كتاب مهم وممتع ويدل بوضوح على التشابه الكبير في العادات والمعتقدات والتقاليد لدى بلاد الشام كافة فنفس هذه العادات نجدها في الريف السوري واللبناني والأردني بذات أسماء الأطعمة وطرق تحضيرها وذات الألعاب والاحتفالات الدينية والشعبية، مع اختلافات بسيطة تتعلق بالطبيعة الجغرافية لكل منطقة.
ما يؤخذ على الكتاب إغفاله لعادات واحتفالات مجموعة كبيرة من المواطنين الفلسطينيين أقصد (المسيحيين الفلسطينيين) خصوصاً وأن فلسطين هي مهد المسيحية.
ولكن يبقى لهذا الكتاب دوره الكبير في الحفاظ على الموروث الشعبي الفلسطيني.